من سنن الله الكونية: سنة التداول
Автор: د/ رمضان حميدة
Загружено: 2023-05-19
Просмотров: 263
معنى سنة التداول
التداول يعني التغيير والانتقال.
ومعناه أنه لا يبقى الشيء في هذه الحياة الدنيا على حاله بل يتغير بتغير الزمان والمكان والحال والأشخاص. فالأحوال متغيرة من قوة إلى ضعف ومن ضعف إلى قوة، من فقر إلى غنى ومن غنى إلى فقر، من صحة إلى مرض ومن مرض إلى صحة، من عز إلى ذل ومن ذل إلى عز، من هزيمة إلى نصر ومن نصر إلى هزيمة،.. وهكذا. دوام الحال من المحال.
ثمانيةٌ تجري على الناس كلهم... ولابد للإنسان يلقى الثمانية
سرور وحزن واجتماع وفرقة ... وعسر ويسر ثم سقم وعافية.
قدم الإمام مالك بن دينار على دار وجد فيها جوار يغنون ويقولون:
ألا يا دار لا يدخلك حزن ولا يغدر بصاحبك الزمان.. فنعم الدار يؤوي كل ضيف إذا ما ضاق بالضيف المكان. ففرح بهم ثم انصرف، وبعد مدة مر من على الدار فوجدها قد استحالت خرابا ووجد بها عجوزا فقال لها ماذا حدث. فقالت له يا هذا إن ربك يغير ولا يتغير. فقد دخلها الحزن وذهب بأهلها الزمان.
الفهم الصحيح لسنة التداول في الإسلام
فالدنيا دوارة وسنة التداول فيها ثابتة بنص القرآن الكريم حيث قال تعالى: إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس". متى نزلت هذه الآية الكريمة؟
نزلت بعد غزوة أحد وهي التي أمر النبي فيها بعض الصحابة بالوقوف على الجبل لحماية ظهور المقاتلين وعدم التحرك مهما حدث. لكن هؤلاء الصحابة حين رأوا انتصار المسلمين وشهدوا جمع الغنائم تركوا أماكنهم ونزلوا لجمع الغنيمة مما أدى إلى دوران جيش المشركين من وراء الجبل واستعادة قوتهم والهجوم على جيش المسلمين حتى هزموهم واستطاعوا أن يقتلوا سبعين من الصحابة وأن يؤذوا رسول الله وأن يصيبوه بجراحات بالغة. فحزن الصحابة لذلك وتساءلوا كيف يهزم جيش فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! وهنا ينزل الله تعالى هذه الآية "إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله...." إنها تؤسس لسنة من سنن الله وهي التداول بناء على الأسباب. فالطاعة للقائد هي سبب النصر، ومخالفة أمره سبب الهزيمة. حتى وإن كانت الهزيمة لجيش فيه رسول الله. هذه سنة التداول التي لا تعرف المجاملة ولا تنظر إلى النية أو الدين، وإنما تعتمد على الأسباب والنتائج، فمن جاء بالسبب حصل النتيجة.
إن قانون النجاح هو المذاكرة وتحصيل العلم فمن أخذ بها نجح وتفوق ومن تخلى عنها رسب وفشل.
أعرف أن بعضكم يختلف معي ويقول إن الإيمان هو سبب الانتصار وإن المعصية هي سبب الهزيمة.
والحق أن هذا صحيح لكنه يحتاج إلى ضبط فنقول الإيمان سبب من أسباب النصر، لكنه ليس السبب الوحيد. فكم من مؤمنين هزموا لأنهم لم يأخذوا بأسباب الانتصار ولم يشفع لهم الإيمان بل لم يشفع لهم وجود الرسول صلى الله عليه وسلم بينهم. وكم من عصاة انتصروا وليس في قلوبهم ذرة من إيمان لكنهم أخذوا بأسباب الانتصار.
كم من أمة تخلفت وهم مؤمنون وكم من أمة تقدمت وهم كافرون.
وهذا لا يعني أننا نوصي بعدم الإيمان بل الحق أن نؤمن وأن نأخذ بالأسباب فمن فعل هذا أدام الله عزه ونصره إذا أخذ بالأسباب مع التمسك بالإيمان. أما من تخلى عن الإيمان فإنه قد يحقق الانتصار بالأسباب لكنه لا يدوم له.
هذه دولة الإسلام في الأندلس أقيمت بجهود الفاتحين من المؤمنين وتأسست بقوة العلم والدين. ودامت ثمانية قرون. وعندما تخلوا عن دينهم وتنازلوا عن قوانين حضارتهم زالت وانتهت ووقف أبو البقاء الرندي ينشد الشعر مبينا سنة التداول بقوله: لكل شيء إذا ما تم نقصان فلا يغرَّ بطيب العيش إنسان.. هي الأمور كما شاهدتها دول من سره زمان ساءته أزمان.
فهذه سنة التداول التي تقضي بأن التغيير والتبديل أمر واقع.
وهذا ما أكد عليه النبي صلى الله عليه حين كانت له ناقة تسمى العضباء لا تُسبق، أو لا تكادُ تسبقُ، فجاء أعرابي على قَعود له، فسبقها فشق ذلك على المسلمين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «حقٌّ على الله ألا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه». فإذا كان هذا هو حال الدنيا
فما فوائد الإيمان بسنة التداول؟
١-إن أول ما تفيدنا به سنة التداول أننا نعرف معادن الناس من حولنا، فالإنسان منا يحيط به الناس وقت الغنى ووقت المنصب ووقت الصحة ويزعمون حبه ويتطلعون إلى البقاء الدائم معه، فإذا تغيرت حاله فإن المنافقين والمدعين ينفضون من حوله ولا يبقى إلا الأصفياء فجزى الله الشدائد كل خير عرفت بها صديقي من عدوي.
٢_وإن من فوائد الإيمان بسنة التداول أن نحرص على تغيير أحوالنا والانتقال بنفوسنا من سيء إلى حسن ومن حسن إلى أحسن منه، ننتقل من حال المعصية إلى الطاعة ومن حال الكسل إلى النشاط ومن حال الخصام إلى التصالح. وهكذا.
٣_كما تدعونا سنة التداول إلى الأخذ بالأسباب، وأن نتحرك في هذه الدنيا بالعلم والإيمان ولا نتكل على جانب واحد.
٤_وتحثنا سنة التداول على ألا تستهزئ بأحد أو نتنمر عليه، فإن الدنيا تدور ومن عاب على أحد بشيء ابتلي به، فكما تدان والجزاء من جنس العمل.
٥_كما أن الإيمان بسنة التداول يمد الإنسان فينا بالأمل. فيا أيها المحزون أبشر بتغيير الحال إلى الفرح والسرور ويا أيها الضعيف أبشر بتغيير الحال إلى القوة.....
أسأل الله أن يمدنا بمدد من عنده....
Доступные форматы для скачивания:
Скачать видео mp4
-
Информация по загрузке: