ناجون من "فيضان الموت" بآسفي يعيدون تركيب لحظات ما قبل الكارثة: الواد غدرنا والبنية التحتية قتلتنا

لم تكن السماء وحدها من بكت في آسفي، بل بكى الرجال والنساء وهم يتفقدون ما تبقى من مدينتهم التي تحولت في رمشة عين إلى "مدينة منكوبة".

وسط الأوحال ورائحة الموت، وقف الناجون من "فيضان الموت" يستعيدون شريط ذكريات يوم أسود، حيث تحولت الأمطار من نعمة إلى نقمة كشفت عورة البنية التحتية وأزهقت الأرواح.

"كنت جالساً مع ابني نتجاذب أطراف الحديث، وفجأة انقلب كل شيء"، هكذا يروي أحد الناجين اللحظات الأولى للكارثة.

ويضيف بصوت متهجّد: "المياه لم تأتِ تدريجياً، بل كانت كالانفجار. سمعنا صوتاً مرعباً، ثم رأينا الوادي يقتحم المنازل والمحلات. الأمر لم يكن طبيعياً، الواد لم يجد مجراه الطبيعي بسبب العمارات والأسمنت، فانفجر في وجوهنا".

الشهادات تتقاطع عند توقيت واحد: "بعد العصر". في تلك اللحظة، تحول "واد الشعبة" إلى وحش هائج. يقول شاب نجا بأعجوبة: "كنا جالسين، فإذا بالصراخ يعلو. نساء يركضن، والمياه تجرف السيارات وكأنها دمى. رأينا الموت بأعيننا، الموج وصل ارتفاعه لأكثر من مترين ونصف. من هرب نجا، ومن حاول إغلاق محله التجاري جرفه السيل".


في زاوية أخرى من الحي المنكوب، يروي شاب والدموع تغالب عينيه كيف كاد يفقد والده المريض بالقلب. "كنت معلقاً بسور حديدي وأمسك بوالدي بكل قوتي والمياه تحاول انتزاعه مني. بقينا معلقين هناك والماء يرتفع.. رأيت جيراني وأصدقائي يختفون وسط الطوفان. أحدهم، بائع الحلوى، جرفه الوادي أمام عيني ولم أستطع فعل شيء".

المشهد لم يخلُ من مآسٍ تقشعر لها الأبدان، حيث أكد الشهود انتشال جثث لنساء حوامل وشيوخ. يقول أحد السكان بغضب: "رأينا جثثاً تطفو، ورأينا رجلاً مسناً كان يوزع الماء قبل لحظات أصبح في عداد الموتى. الخسائر في الأرواح كارثية، والأرقام الحقيقية قد تكون أكبر مما يُعلن".


يجمع المتضررون على أن الكارثة ليست قضاءً وقدراً فحسب، بل نتيجة إهمال بشري متراكم. وتوجهت أصابع الاتهام نحو أشغال البنية التحتية في منطقة "المريسة".

يقول أحد التجار الذي خسر بضاعة تقدر بالملايين: "المشكل في قادوس المريسة الذي تم إغلاقه أو تضييقه بسبب الإصلاحات. المياه لم تجد منفذاً للبحر فارتدت علينا. لقد حذرنا سابقاً، البنية التحتية هنا منعدمة، وقنوات الصرف مليئة بالأزبال والأتربة قبل أن تمطر السماء".

ويضيف آخر بحرقة: "في عهد الاستعمار كان الواد يجد طريقه، اليوم شيدوا العمارات في مجرى الوادي. نحن نعيش في مدينة الفوسفاط، المدينة الغنية، لكننا نعيش البؤس والحكرة. لا مسؤول زارنا، ولا أحد تفقدنا قبل الكارثة".


وسط هذه الفوضى، برزت معادن الرجال. شباب الحي شكلوا سلاسل بشرية لإنقاذ العالقين وانتشال الجثث. "أولاد المدينة هم من قاموا بالبطولة، هم من نظفوا وهم من أنقذوا"، يقول أحد السكان رداً على شائعات السرقة.

لكن الكارثة لم تخلُ من تجرد البعض من إنسانيتهم. حيث أكد الناجون أن غرباء استغلوا الفاجعة للسرقة. "جاءوا من خارج الأحياء المتضررة، يسرقون سلع المحلات المحطمة وحتى أحذية الموتى.. هذا عار"، يصرخ شاب فقد صديقه في الفيضان.


يختتم الناجون شهاداتهم برسالة موحدة ومباشرة مطالبين بالتفاتة ملكية لمدينة آسفي التي يصفونها بـ"المنسية". يقول شيخ طاعن في السن وهو يتكئ على جدار بيته المنهار: "نحن لا نطلب الكثير، نطلب فقط بنية تحتية تحمينا من الموت، ومحاسبة من تسبب في إغلاق مجرى الوادي. ضاع رزقنا، ومات أحبتنا، ولم يتبق لنا إلا الله".

“فبراير.كم” إنه صوت الجميع. إنه عنوان الحقيقة كما هي بدون رتوش. الرأي والرأي الآخر.
تابعونا على:
Official Website | https://febrayer.com
Facebook |   / febrayer  
instagram:   / febrayer  
#بارطاجي_الحقيقة