صراخ الجهل وصوت الحكمةDunning–Kruger effect

هل لاحظت أن أشدّ الأصوات صخبًا حولك بالمجتمع أو على الإعلام أو على السوشيال ميديا… غالبًا ما يكونون من أقلّ الناس علمًا؟
بينما يصمت الأكثر حكمة ومعرفة.. يراجعون ما يعرفونه ويفكرون كيف يقولونه وبهدوء لأن غايتهم الفكرة وليس الصوت؟
هذه ليست صدفة.
هذا هو تأثير دانينغ-كروغر:
كلما قلّ علمُك… زادت ثقتك.
يرتكب غير الخبراء خطأً مزدوجًا: فهم لا يفتقرون إلى المعرفة فحسب، بل يفتقرون إلى المعرفة اللازمة لإدراك جهلهم. هذه الفجوة تمنحهم ثقةً عمياء.
لأنك لست فقط لا تعرف أنك جاهل... بل تجهل أنك حولت جهلك لحقيقة مطلقة!
وفي الطرف المقابل… هناك النسخة العكسية تأثير دانينغ-كروغر العكسي:
كلما تعلمت أكثر… شككت أكثر.
الخبراء الحقيقيون يعرفون: العالم معقد، والمعرفة ناقصة، والإجابات ليست سوداء أو بيضاء.
لذا يتحدثون بهدوء… ويتوقفون عند "ربما" و"على الأرجح" و"بحسب السياق".
لهذا تملأ "الحقائق المطلقة" منشورات من لم يفتحوا كتابًا، ولم يُنهكوا عقولهم بسؤال واحد عميق.
بينما يتردد صوت من درس وحلّل وقارن… لأنه يعرف: كل إجابة تفتح عشرة أسئلة جديدة.
ففي دراسة دانينغ وكروغر الأصلية (1999)، طُلب من طلاب ضعاف في المنطق تقييم أدائهم… فاعتقد 60% منهم أنهم في أعلى 20%!
أما الأعلى أداءً؟ فاعتقدوا أنهم "فقط" في المنتصف.
لهذا تهيمن على وسائل التواصل أصواتُ الواثقين جهلًا. إنهم يصرخون بـ"حقائق" مطلقة بلا تحليل أو عمق. بينما صوت الحكيم خافت، مشغول بسؤال نفسه: "ماذا لو كنت مخطئًا؟".
الحكمة؟
ليست في أن تعرف كل شيء…
بل في أن تعرف أين ينتهي ما تعرفه — وتتجرأ على قول: "لا أعرف… بعد".
لأن الشك… هو أول علامة على أنك بدأت تفهم.
لذلك لا تحزن إن تنمر عليك من لا يعرف، وعلا صوته فوق صوتك، لإن جهل الجهل لا يملك سوى الضجيج لكي لا يعرف جهله.