قسطل جوهرة الدير.... تبسة

هنا طية الدير ، هنا مجانة المطاحن ،المدينة التي غابت عنها الشمس
مدينة ظلمها التاريخ فدفنتها الجغرافيا وحيدة في أركان الظلام ، خلف هذا الجمال تتراءى لك طاولة يوغرطة كملكة بكل أُبّهَتِها وجلالها حزينة ترثي إڤليذها المغدور
هنا لايزال صدى تاكفاريناس يصول ويجول بل أنك لو تشيح بنظرك شرقا لأبصرت أنطلاس ملك الفراشيش يذود عن حدوده. وأنت تسترجع ما كتبه البلاذري لبرهة يخيل إليك أنك تسمع عويل الثكالى من أهل مجانة من بطش جند بسر بن أرطأة وهو يقتل ويسبي ويُحَكِم السيف في صدور الرضع ورقاب الشيوخ.
عندما تقف على جبل الطواحين قد يأخذ بيدك القاضي النعمان مؤرخ الدولة الفاطمية وهو يشير بإصبعه لطوب سورها وجامعها وحماماتها و مناجمها ، مجانة أرض الفضة والكحل والرصاص ، سواقيها المحفورة في الصخر كعقد زانته ثلاث مئة وستون جُباً سقط من عنق رومانية تمشي متثاقلة الخطى تخشى عليها أن تهوي إلى القاع في هذا المقطع الصخري من طريق أميدرة فاسنبوس
وادي ملاق غير بعيد عنك يتراءى كشيخ طاعن باكي قد جردته الأيام من جبروته يقص للمقريزي ما كان من ملك ذيهيا وجيشها الجرار وكيف مرت به ملكة جراوة بكبريائها وشموخها وهي تجس النبض وتوقن بالمصير المحتوم. على حين غرة يأخذك إبن الأثير ليريك سراباً من جحافل أبي يزيد مخلد ابن كلداد وهو يهدم السور ويأمن الأهل.
ولو سألت القزويني لأجابك ثاغراً فاه أرض طيبة تلك التي أنبتت الزعفران. ، بل أفتح معجم البلدان وأسأل ياقوت الحموي عن القوافل المحملة بالفضة و أحجار الطواحين وعن عدد المراحل التي تفصل القيروان عن مجانة ، ثم ألقي ببصرك للأفق علك تبصر جبلها الشاهق يعانق السماء ليسكب مائها الرقراق في خزف فاطمي مزخرف. لو بلغ منك الإعياء وتمكن منك السغب فعد إلى 1876 وإن كان لك من الحظ نصيب فستجد النقيب دي بوسردون جالسا بقرب حانوت من حوانيتها وهو يكتب ملاحظته للجمعية الأثرية لقسنطينة.