هل سألت الملائكة بناء على الظن والرأي أم لأفضليتها على الخليفة أم لإدراكها معاني الخلافة؟
Автор: د. عبد الرزاق المساوي
Загружено: 2025-07-07
Просмотров: 171
عندما بدأ المهتمون بالقصة القرآنية ينظرون إليها في الخطاب القرآني لدراستها واستخراج كنوزها وتثويرها وجدوا أنفسهم أمام نصوص كثيرة متفرقة بين جلدتي المصحف، فاشتغل معظمهم بالموضوع أي بالقص وبالتاريخ أي بالحكاية من حيث الأحداث والوقائع ومن حيث العبر والمواعظ، ونسي هؤلاء أن هذا الحكي جاء بأسلوب متميز وبشكل خاص ومبنى متفرد أي جاء كما قال منزله سبحانه وتعالى بلسان عربي مبين.. ولا يمكن فهم القصة كحكاية إلا من خلال اللسان الذي وردت به لفظا وتركيبا ونظما تعبيرا وإشارة وجرسا في سياقاتها المتعددة من الخطاب الرباني العظيم.. إلا أنه أحيانا كثيرة ما يصطدم المهتمون بفراغات تاريخية وقفزات حكائية في بناء القصة القرآنية فيحاولون ملأها بالبحث في نصوص القرآن نفسه المناسبة أو في الروايات المأثورة أو في أقوال العلماء من سلف الأمة أو بالرجوع إلى المرويات الكتابية/الإسرائيليات أو الأخذ عن النسابة والمؤرخين أو الاجتهادات الواردة في الموضوع.. والمهم عند أكثرهم هو فهم النص القصصي القرآني واستيعاب مدلولاته وظلاله وإيحاءاته ومقاصده ومراميه، وفي سبيل ذلك لا بأس عندهم من توسل أي وسيلة توصل أو تقرب من الهدف.. وهذا كان خطأ منهجيا جرّ على القصة في الخطاب القرآني ما ليس منها وما لا يرقى إلى المستوى الذي يطمح إلى تحقيقه القصُّ القرآني.. ومن القصص القرآني الذي كثر فيها القيل والقال وكثر حوله السؤال كما بيّنا في مقاطع كثيرة قصة آدم عليه السلام حتى أصبحت عند بعضهم أقرب إلى الخرافة منها إلى الواقع.. ومن جملة المشاهد المكونة للقصة نفسها والتي وقع عليها مثل هذا الحيف إلى درجة أنهم أسطروها إن صح التعبير أي جعلوها أسطورة خرافية، من جملة المشاهد قلنا مشهد سورة البقرة حيث تجلى الإعلان عن الخلافة في الأرض واستفسار الملائكة.. وهنا عنّ للمهتمين سؤال حول من كان قبل آدم في الأرض حتى يكون آدم لهم خليفة؟ من هم الذين أفسدوا في الأرض وسفكوا الدماء على حد استفسار الملائكة؟ وفي غياب منهجية واضحة في قراءة القصة القرآنية جملة وهذا المشهد خصوصا وقعت كوارث باستدعاء مجموعة هائلة من النصوص من خارج الخطاب الرباني من أجل الحصول على جواب شاف كاف عن هذا السؤال: "كيف عرفت الملائكة أن هذا الخليفة سيفسد ويسفك؟" ونحن في هذا المقطع كما فعلنا في غيره نحاول أن نكمل رصد الأسباب والدواعي التي جعلت المهتمين يقعون في شباك السؤال فيبحثون لهم عن مخرج.. فكان استشكالهم للمشهد القرآني سببا في التنقيب عن حل فوقعوا فيما كانوا لا يتوقعونه إذ تعددت رؤاهم واختلفت تأويلاتهم وكثرت اقتراحاتهم وتضاربت توقعاتهم بين جن وحن ومخلوقات لا عهد للأرض بها وأوادم ما أنزل الله بهم من سلطان وبين اطلاع الملائكة على اللوح المحفوظ أو معرفتهم ذلك عن طريق إخبار الله سبحانه وتعالى لهم وبين المعرفة المنطلقة من طبيعتهم النورانية.. ولقد كان الباحثون والمهتمون في الحقيقة في غنى عن كل ذلك لو استطاعوا إنعام وإمعان النظر في المشهد داخل بنية القصة ككل.. وهذا ما حاولنا فعله في قراءتنا للسرد القصصي في الخطاب القرآني..
قال الزمخشري في الكشاف (1/93): "...أو ثبت في علمهم أن الملائكة وحدهم المعصومون، وكل خلق سواهم ليسوا على صفتهم" وهذه الفكرة جاءت انطلاقا من فهم وتأويل بعض النصوص والآثار التي وردت حول الموضوع والتي لا ترقى إلى درجة تجعلها صالحة للاستشهاد بها في موضوع غيبي كهذا الذي بين أيدينا الآن..
ومفادها أن الملائكة تعتقد أنها من أفضل خلق الله، وأن الله تعالى خلقها كذلك ولن يفضل عليها أحدا.. وقد ورد في هذا مثل ما رواه الطبري(1/ 464) عن الحسن وقتادة في نص يقول فيه"… فلما أخذ أي الله سبحانه في خلق آدم همست الملائكة فيما بينها فقالوا: ليخلق ربنا ما شاء أن يخلق فلن يخلق خلقا إلا كنا أعلم منه وأكرم عليه منه. فلما خلقه ونفخ فيه من روحه أمرهم أن يسجدوا له لما قالوا، ففضله عليهم فعلموا أنهم ليسوا بخير منه
وقيل إنما كان قول الملائكة محضَ الرأي والظن كما في بعض الروايات من أن قول الملائكة على غير يقين علم تقدم منها على أن ذلك كائن، ولكن على الرأي منها والظن" وقد فصل في هذا الإمام الطبري.. ولا يستقيم أن تلقي الملائكة أمام رب العالمين بما تظنه أو تراه وتقذف به من الفهم الذي لا يرتكز على مشاهدات ولا دلائل.. ولذلك قال ابن جرير الطبري متسائلا: ".. أم قالت ما قالت من ذلك ظنا؟ فذلك شهادة منها بالظن، وقول بما لا تعلم. وليس ذلك من صفتها"
هذا فيما يخص قضية تأويل قول الملائكة وسببه من حيث إحساسهم بالعلو والأفضلية وبينا في هذا أنه تأويل لا محل له من الإعراب ولا يمكن أن يصدر عن الملائكة وهم يعلمون أن الله تعالى فعال لما يريد ثم قبل هذا كله فمن ممن قال بهذا التأويل كان حاضرا معهم أو اطلع على تفكيرهم فنقله إلينا إلا أن يكون وحيا أتى به رسول.. ومن حيث قضية قولهم ذاك ظنا منهم فهذا لا يستقيم لا شرعا ولا عقلا ولا رواية ودراية، لأنه يستحسل أن تواجه الملائكة أمر الله تعالى بظن والظن أكذب الحديث، ثم ننتقل إلى الطرح الآخر والذي قيل فيه إن الملائكة "لما سمعوا لفظ "خليفة" فهموا أن في بني آدم من يفسد إذ الخليفة المقصود منه الإصلاح وترك الفساد، والفصل بين الناس فيما يقع بينهم من المظالم ويردعهم عن المحارم والمآثم" ولكن كيف يتأتّى لنا العلم بمستوى المعرفة اللغوية عند الملائكة التي تؤهلهم لمعرفة معنى الخليفة بهذا المنطق اللغوي الوظيفي وإلى أي حدّ يمكنهم الاستفهام به عند رب العالمين سبحانه.. كل هذا خوض فيما لا علم لأحد به إلا بوحي من الله تعالى أو بما دلالته قطعية الوضوح.. نقف عند هذا الحد ولنعلم أن الروايات في هذا الباب كثيرة ومختلفة ومتنوعة إلا أن القاسم المشترك بينها جميعها نقطتان أنها صيغت لمحاولة فهم وتفسير وتأويل النص القرآني لغة ومضمونا.. وأنها لا ترقى إلى المستوى الذي يؤهلها لكي تكون نصوصا من نسيج القصة نفسها لأنها ليست من المصدر نفسه الذي قصت فيه القصة وهو القرآن الكريم لكنها المدارك أحيانا تريد أن تفهم فلا تستوثق مما تعلم
Доступные форматы для скачивания:
Скачать видео mp4
-
Информация по загрузке: