سورة الضحى وقفات دلالية بلاغية
Автор: د. أيمن أبومصطفى Ayman Abu mostafa
Загружено: 2025-12-26
Просмотров: 150
أولا : مناخ النص –
حتى نفهم هذا المناخ أو الإطار نعرض أسباب النزول ، نزل النص وهو مكي في أوائل ما نزل من نصوص القرآن بعد فترة فتور ظن الكافرون أن القطيعة قد وقعت بين محمد وخالقه ، فقالوا في جملة ما قالوا : لقد قلى محمدًا ربُّه ، نزل النص ليدحض هذه الفرية وليقف إلى جانب النبي عليه الصلاة والسلام وليكون لمسة حنان دافئة من الذات العلية تدعم النبي في توقفه وتأخذ بيده وتؤكد له استمرار الوحي . النبي كبشر ضعيف يحتاج في تلك الفترة إلى لمسة حنان فكان النص هو هذه اللمسة ، وضمن هذا الإطار النفسي سنجد أن كل لفظة .. كل تركيب .. كل دلالة إنما نبعت منه وتعود إليه .
ثانيا : القَسَم –
من يستقرئ القسم القرآني يجد أنه على نوعين :
النوع الأول : جاء بصيغة الواو مع المقسَم به من مثل "وَالضُّحَى" هنا ، و "وَالسَّمَاء وَالطَّارِقِ" و "وَالْعَادِيَاتِ .." .. الخ .
النوع الثاني : جاء بصيغة "لَا أُقْسِمُ" ومثاله كثير منها قوله تعالى "لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ {1} وَأَنتَ حِلٌّ .." الخ .
ومن يتتبع آراء الدارسين إزاء القسمين سيجد أنها شتى ، لا يهمنا أن نقف عندها ولا أن نتتبعها ، حسبنا أن نقف عند القسم بالواو ؛ لأنه مرتبط بسياق النص الذي نحن بصدده ؛ ذهب المفسرون إلى أن هذه الصيغة هي قسم وقسم بالواو ، كما ذهبوا إلى أن الله تعالى لا يقسم بآياته إلا لأنها عظيمة ، وسنختلف معهم في هذين الأمرين ؛ من الناحية النحوية الصرفية الواو واو قسم ، ولكن من الناحية البلاغية وهو ما يهمنا سنسمي هذه الواو بالواو البيانية ، أشرح ذلك فأقول : إن الله تعالى جلت قدرته يلفت نظرنا بهذه الواو إلى حقيقتين إحداهما مادية ، وأخراهما معنوية ، وعلينا أن نثبت ونؤكد ونعتقد بالحقيقة المعنوية من خلال فهمنا للحقيقة المادية .. وهكذا كل من يستقرئ تركيب القسم بالواو سينتهي إلى وجود مشهدين بعد الواو ، مشهد مادي يعقبه مشهد معنوي ؛ هنا أين المشهد المادي ؟ تعاقب الضحى الألق بعد الليل الساجي ، وهذا التعاقب المادي الملموس حقيقة مادية مرئية ومشاهدة لا تثير أسئلة ولا تخلق جدلا ، يعقب هذه الحقيقة حقيقة معنوية أخرى هي هنا في النص وداع الله لرسوله وعدم بغضه له ، وأن تعاقب القرب والبعد تعاقب الاتصال والانفصال تعاقب فتور الوحي وزخمه إنما هو أمر عادي وهو أمر معنوي أيضا ، أكثف ذلك كما يأتي :
الصورة الأولى : تعاقب الليل بعد النهار أو قبله ؛ هذا التعاقب المادي ، تعاقب عادي حقيقي وبالتالي فإن تعاقب تنجيم الوحي فتورا وزخما إنما هو الآخر تعاقب معنوي عادي في آن .
والأمر الثاني فيما يتعلق بالقسم بالواو أن المقسم به قد يكون عظيما وقد لا يكون ، فهذا الأمر لا يهمنا بل الذي يهمنا لماذا اختار النص القسم بهذا ولم يختر القسم بذاك ؟ وبكلمات أخرى : لماذا اختار النص هنا القسم بالضحى والقسم بالليل إذا سجى ولم يختر القسم بالصبح أو بالليل إذا يسر ؟ والجواب لدينا بيِّن وواضح : كل قسم يناسب سياقه ؛ فهنا في سورة الضحى مما يتلاءم مع الحنو ولمسة الحنان والإشفاق : الضحى الآن الرقراق الوديع الذي لا يوجد فيه وهج ولا برودة ، ومما يتلاءم مع المناخ أن يكون الليل ساجيا بمعنى هادئا لأنه أكثر التصاقا بالطمأنينة وبالحنان بخلاف نص آخر اختار صفة أخرى لليل هي الحركة والفاعلية والنشاط "وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ" .
ثالثا : الذِّكر والحذْف –
وسنذهب هنا إلى ما ذهب إليه عبدالقاهر في أن الذكر والحذف قضية أو مُسَلَّمَة لها وجهان :
الأول : شعوري أو نفسي .
الثاني : فني أو جمالي .
وبكلمات أخرى : إن اختلاف التركيب يتبعه اختلاف في الدلالة ، وسنأخذ مثالين على ذلك :
المثال الأول : في قوله تعالى : "مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى" لماذا ذكر المفعول به مع الفعل "وَدَّع" وحذف المفعول به مع الفعل "قَلَى" ؟ أصل العبارة أن يقول : ما ودَّعَك ربك وما قَلاك ، معظم الدارسين على أن الحذف هنا جاء لأمر شكلي هو تناسب فواصل الآيات ؛ سَجَى .. قَلَى .. ، وعندنا أن الأمر يتعلق بالتجربة الشعورية وليس بالتعبير الجمالي فحسب ، نشرح ذلك فنقول : في ضوء لمسة الحنان لإطار النص النفسي كله لا يمكن للقرآن أن ينسب البعض إلى الله ، ولا يمكن أن يقطع الصلة بين محمد وربه ، فلو قال : لَقَلاك ؛ فمعنى ذلك أن ثمة صلة مقطوعة بين الكاف والفعل وأن التواجه موجود بين محمد وربه ، بحذف الكاف أي بحذف المفعول به انتفى الانقطاع وبقيت الصلة دائمة بين محمد عليه الصلاة والسلام والإله . وهذه الصورة الشعورية إنما هي عكس الواقع النفسي الذي كان يحياه الرسول ونفي لإمكان التباعد بين الرب والعبد ، بل تحقيق للصلة الدائمة بينهما ، فإذا ما أضفنا إلى ذلك الناحية الشكلية .. الإيقاعية .. الجمالية في تناسب رؤوس الآي أدركنا مبلغ الإعجاز في هذا الذكر والحذف معا ؛ الذكر في : ودَّعك ، والحذف في : قَلَى ، وسيتضح الأمر أكثر حين نشرح معاني المفردات بعدها .
المثال الثاني : آخر السورة "وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ" لماذا لم يقل : وأما بنعمة ربك فاجهر أو فاصدع ؟ الإجابة مرتبطة بدلالة النعمة التي نريد أن نثبتها ، وبدلالة البِنْيَة الفنية للنص الذي ينتهي بقفلة المغايرة ، النعمة هنا هي الإسلام ، والأمر هنا هو النشر والانتشار والذيوع أو الأمر بنشر هذا الدين وإذاعته ، والتحول الذي طرأ على المفردة تحول جوهري لأن الإسلام هو نهاية الديانات وخاتمتها ، وبهذه الصورة التحليلية نثبت أمرين أيضا .. أولهما شعوري ، والآخر فني ؛ الشعوري هو الإسلام بتمامه وكماله وأن النعمة التي قدمها الله للبشرية ، وبأن هذه النعمة هي آخر الديانات فعلينا أن نلتزم بها وأن ننشرها ، وكما يفعل المسرحيون على سبيل المجاز حين ينهون مسرحيتهم بالستارة ، كذلك تقفل هنا الديانات وتختتم بالإسلام باعتباره خاتمتها وحصيلتها معا .
ر
Доступные форматы для скачивания:
Скачать видео mp4
-
Информация по загрузке: