مفاتيح لفهم التفصيل في القرآن الكريم | برنامج حوارات فكرية | د.محمد النوباني
Автор: محمد النوباني
Загружено: 2025-10-02
Просмотров: 949
القرآن الكريم لم ينـزل ليكون كتاب أحكام جزئية أو قصصاً للتسلية، ولا جاء ليقتصر على الوعظ والإرشاد في جانب محدود من حياة الإنسان. بل جاء بوصفه مرجعاً شاملاً يقدّم للإنسان منهجاً متكاملاً لفهم الدين والواقع والتاريخ والمستقبل. وهذه الشمولية عرضها القرآن في خمس صيغ رئيسية، تشكّل منظومة مترابطة، يكمّل بعضها بعضاً.
أول هذه الصيغ هي القوانين والسنن، وهي القواعد الثابتة التي تحكم حركة الكون والإنسان والتاريخ. فلا شيء يقع صدفة أو فوضى؛ النصر والهزيمة، العز والذل، القوة والضعف، كلها تخضع لسنن مضبوطة لا تتبدل. وقد عرض القرآن هذه القوانين بأكثر من صورة، منها لفظ “سنة الله”، ومنها ما يفيد السبب والنتيجة. إدراك هذه السنن هو المدخل الأول للتعامل مع القرآن بوصفه مرجعاً حيّاً، إذ يجعل الإنسان يقرأ الأحداث من حوله في إطار نظام رباني واضح.
ثم تأتي القصص القرآني ليجعل هذه القوانين حاضرة في الواقع التاريخي. فالقصص ليس سرداً للتاريخ ولا تشريعاً نأخذ منه أنظمة جاهزة، بل هو تطبيق عملي للسنن. كل قصة تعرض قانوناً من قوانين الله، وتكشف أثر الالتزام به أو الإعراض عنه، ولهذا خاطب القرآن بها أولي الألباب. وحين يقرأ المؤمن قصص يوسف أو موسى أو بني إسرائيل، فإنه يتعلّم كيف تجري السنن في التاريخ، وكيف تتكرر نتائجها مع كل أمة.
بعد ذلك يفتح القرآن أمام العقل أفقاً أوسع عبر الأمثال. فهي ليست مجرد تشبيهات بل مفاتيح لفهم السنن في الكون والطبيعة والمجتمع. العنكبوت مثلاً يقدَّم كنموذج لمجتمع فردي هش، قائم على التنازع الداخلي، في مقابل النحل الذي يمثل مجتمعاً تعاونياً مثمراً لا ينتج إلا الخير. ومن خلال هذه الأمثال ندرك أن الكون كله خاضع لمنظومة قوانين واحدة، وأن استيعابها يحتاج إلى علم ومعرفة دقيقة. هكذا يربط القرآن بين الوحي والعلم، ويحوّل النظر في الطبيعة إلى باب من أبواب الوعي الحضاري.
أما النصوص الإخبارية فهي الصيغة الرابعة للشمولية. وهي ما يخبر به القرآن عن المستقبل، وخاصة يوم القيامة. هذه النصوص ليست منفصلة عن السنن، بل هي امتداد لها؛ فالآخرة ليست سوى انعكاس مباشر لأعمال الدنيا. من أبصر هنا كان بصيراً هناك، ومن عُمي عن الحق في الدنيا جاء أعمى يوم القيامة. ومن جمع المال بالحرام أو ظلم أو تكبر، وجد صورته مطابقة لعذابه في الآخرة. وهكذا تتحقق القوانين نفسها في الدنيا والآخرة معاً.
وأخيراً تأتي الأحكام والتوجيهات لتكون الخلاصة العملية لكل ذلك. ففي هذه المرحلة تتحول السنن والقوانين إلى أوامر ونواهٍ وتشريعات تضبط حياة الإنسان اليومية. ولا يقتصر الأمر على الآيات الفقهية الصريحة، بل يشمل التوجيهات العامة التي ترسم المنهج وتحدد الاتجاه. فالأحكام ليست غاية منفصلة، بل ثمرة لبناء كامل يقوم على السنن، ويجسّده القصص، ويشرحه المثل، ويؤكده الإخبار.
ومن هنا تتضح الفكرة الكبرى: القرآن قدّم الشمولية بخمس صيغ متكاملة، تشكّل شبكة مترابطة لا يجوز تفكيكها أو الاقتصار على بعضها. فالقوانين هي الأساس النظري، والقصص تطبيقها التاريخي، والأمثال عرضها الكوني، والنصوص الإخبارية امتدادها المستقبلي، والأحكام ترجمتها العملية. وبهذا يصبح القرآن مرجعاً شاملاً يربط الماضي بالحاضر والمستقبل، والدنيا بالآخرة، والفكر بالسلوك.
إن ضعف الأمة اليوم لا يعود إلى قلة التضحية أو غياب الجهد، بل إلى الانحراف – ولو جزئي – عن هذه المرجعية الشاملة. فالانتصار له سنن محددة لا تتبدل، والهزيمة لها سنن كذلك. وإذا كان القرآن قد قال: «إن تنصروا الله ينصركم»، فهذا يعني أن النصر مرهون بتحقيق معادلات النصرة كما بينها الوحي، لا بمجرد الأمنيات أو الاجتهادات العقلية. وكل تنازل أو انحراف جزئي عن المرجعية القرآنية لا يؤدي إلا إلى الضعف والخذلان، مهما كانت التضحيات.
وعليه، فإن العودة الحقيقية إلى القرآن لا تعني الاقتصار على تلاوته أو حفظه، بل تعني فهم صيغ شمولِيَّته الخمس، والتعامل معها كمنظومة متكاملة تعيد بناء وعي الأمة وتحدد مسارها. عندها فقط يمكن أن تفكّ الأمة أسباب تأخرها، وتستعيد فاعليتها، وتسير في طريق النصر والتمكين الذي وعد الله به عباده المؤمنين.
مؤلفات و مواقع التواصل الخاصة بالدكتور محمد النوباني :
https://linktr.ee/Mohammad_ALNobani
*نعتذر عن إنخفاض دقة الفيديو بسبب خلل فني
#القرآن_الكريم #تدبر_آيات #التدبر_في_القرآن
#القرآن_الكريم #تدبر_آيات #التدبر_في_القرآن
#المنهاج #السيرة_النبوية #ترتيب_النزول #إمامة_الوحي
#على_منهاج_النبوة #د_محمد_النوباني #محمد_النوباني#الحضارة_الإسلامية
Доступные форматы для скачивания:
Скачать видео mp4
-
Информация по загрузке: