الجزء (5) أحكام الأرواح والأجساد باعتقاد أهل الحديث: حياة البرزخ وخطأ المعتزلة فيه، ومن تابعهم عليه

-تقدم لنا أن النعيم والعذاب يقع على الروح والجسد في القبر في دار البرزخ

-قال تعالى: {الذين يؤمنون بالغيب}

-فعلى المسلمين أن يؤمنوا بالغيب، فلا يدخلوا بعقولهم في الغيبيات وليؤمنوا بالغيب كما ثبت، ولا يقولوا لماذا وكيف

-قال الشيخ صالح الفوزان في [الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد]: «للروح بالبدن تعلقات مختلفة، وإليك بيانها، فذكر خمسة أنواع من التعلق، متغايرة الأحكام:
أحدها: تعلقها به في بطن الأم جنينا.
الثاني: تعلقها به بعد خروجه إلى وجه الأرض.
الثالث: تعلقها به حال النوم، فلها به تعلق من وجه، ومفارقة من وجه.
الرابع: تعلقها به في البرزخ فإنها وأن فارقته، وتجردت عنه، فإنها لم تفارقه فراقا كليا بحيث لا يبقى إليه التفات البتة.
الخامس: تعلقها به يوم يبعث الاجساد وهو أكمل تعلقاتها بالبدن».

-وقال الشيخ أحمد آل بوطامي في [العقائد السلفية]: «الصحيح أن الروح والبدن تبعا لها لأن الدور ثلاثة: دار الدنيا العذاب والنعيم على البدن والروح تبعا لها، وفي البرزخ بالعكس، وفي الآخرة على الروح والبدن معا»

-وقال العلامة السفاريني في [لوامع الأنهار البهية] «النعيم يقع على الروح والبدن، والعذاب يقع على الروح والبدن»

-فللروح تعلق بالجسد في البرزخ، وفي الآخرة

-وهذا الأمر قد جعل الله له أمثلة في حياة العبد، ومع ذلك تجد من يقع في الشك والإلحاد مثل المعتزلة، والملحدين، والربيعية، وغيرهم

-فيقول ربيع المدخلي أن العذاب يقع على الروح ولا يقع على الجسد، فهو يحكم عقله، وله أمور عظيمة غير ذلك وقع فيها عظيمة، بسبب جهله في الأصول والفروع، ولا يعرف مذهب أهل السنة والجماعة على التفصيل وإنما يعرفه على الإجمال

-ففي النوم مثال للمؤمن، فيقع العذاب والنعيم على الروح والجسد مع أن الروح مفارقة للجسد في النوم، مما يدل على أن مفارقة الروح ليست مفارقة كلية للجسد

-وفي السحر والمس مثال للمؤمن كذلك، فيرى الناس التعب على وجه المسحور وهو يتعذب بالسحر هذا، وعندما تأخذه للمستشفى ويعملون له الفحوصات فيقول الأطباء أنه سليم وليس به مرض لأنهم يعملون الفحوصات للجسد فقط، مع أنه معذب بالسحر الذي وقع على روحه ولها تعلق بالجسد حيث يتعب بذلك، مع أن الفحوصات هذه تقع على الجسد ولا يجدون فيها أي مرض

-فحياة البرزخ كذلك للروح تعلق بالجسد

-وقد وقع بعض الفقهاء في أخطاء في هذه المسألة فلينتبه الناس لما يقرأون

-فمن يتبعهم في هذه الزلات فإنه في خطر عظيم لأنها من المسائل العقدية ومسائل الأصول، والعالم يجتهد ويخطيء وأنت عليك بإجماعات الصحابة والسلف

-قال الإمام ابن حزم في [الفصل في الملل والنحل] -وهو كتاب فيه أخطاء كثيرة في العقائد وأخذ باحاديث ضعيفة والعالم يجتهد ويخطيء فيبين خطأه وامره إلى الله-؛
فقال ابن حزم: «وأما من ظن أن الميت يحيى في قبره قبل يوم القيامة فخطأ». اهـ

-فهذا خطأ منه، فإجماع الصحابة والسلف أن الميت يحيى في قبره في حياة البرزخ، وأنه ينعم أو يعذب فيه

الإمام ابن حزم استدل بأدلة في هذه المسألة:
-بقوله تعالى: {قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل}
-وبقوله تعالى: {كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم}
وقال ابن حزم: ولو كان الميت يحيى في قبره؛ لكان الله تعالى: اماتنا ثلاثا، وأحيانا ثلاثا، وأن هذا باطل وخلاف القرآن

-وقوله هو الباطل والمخالف للقرآن، والرد عليه بالتفسير الصحيح للآيتين: فنرجع لتفسير الصحابة وينتهي الأمر

-فتفسير الآيات: أن الناس كانوا في العدم هذه الموتة الأولى، فأحياهم الله وخلقهم فهذه الحياة الأولى، ثم أماته الله في حياة البرزخ فهي الموتة الثانية، والإحياء من دار البرزخ لدار الآخرة هذه الحياة الثانية

-أما الحياة في البرزخ لا تعتبر حياة ثالثة، لأن الحياة في البرزخ هي مغايرة لحياة الدنيا والآخرة من الغدو والرواح والأكل والشرب، فتعاد الروح في البرزخ اعادة غير مألوفة للدنيا فتسأل وتمتحن وهذا حق.
-وهذا مطابق للآية، وهذا تفسير ابن عباس، والصحابة بالإجماع

-ونرد على ابن حزم أيضا بالحديث في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ثم تعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه» حديث صحيح، أخرجه أبو داود، والنسائي، وابن ماجة، وأحمد، وغيرهم
وهذا دليل أن الروح تعاد في القبر للجسد، فمن يسأل ويجيب هو شخص حي، ويجيب المنافق هاه هاه لا أدري، ولكن حياة غير معهودة في الدنيا، وليس هم بأموات، وإنما هم أحياء ولكن حياة البرزخ

-فمن أنكر هذا فهو على جهل بالغ وجحد رب العالمين وأنكر ربوبيته سبحانه وتعالى، وكفر لأنه مكذب للقرآن، ومكذب للسنة، ومخالف لاجماع الصحابة والسلف والأئمة
وانظر: [كتاب الروح] لابن القيم

-قال تعالى: {وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد * لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد}

-وفي هذا دليل على أن الله تعالى يكشف لك غطاء الحياة الغيبية التي لا يستطيع أن يراها أحد الآن في الدنيا، فبصرك اليوم حديد تنظر إلى كل شيء من الغيبيات، من الملائكة، والنار والعذاب، والنعيم والجنة، ويعرضون على النار غدوا وعشيا

-فمن أتى الله بقلب سليم فهو نعيم، ومن أتى بقلب خبيث فله الويل

-وسمي عذاب القبر وعذابه ونعيمه: باعتبار غالب الخلق حيث أنهم مقبورون، وكذلك فالمصلوب وأكيل السباع والغريق والمحروق له من عذاب البرزخ ونعيمه قسطه الذي تقتضيه أعماله، فهؤلاء مثل المقبور لهم من النعيم أو العذاب للروح والجسد.

-وقد ظن من جهل حياة البرزخ أنه إذا حرق جسده وصار رمادا وذري بعضه في البحر وبعضه في الهواء بأنه ينجوا من عذاب البرزخ

-فلا يفوت عذاب البرزخ من مات على هذه الحال ولأصاب عذاب البرزخ جسده نصيبه وهو على هذه الحال، فالله عز وجل ولا يعجزه شيء.

ولو دفن العبد الصالح في غرفة من النار ومات، لأصاب جسده وروحه من نعيم البرزخ نصيبها