تأملات في سورة الإسراء ومفهوم النصر (١) | محاضرة صوتية | د. محمد النوباني
Автор: محمد النوباني
Загружено: 2025-11-04
Просмотров: 1271
بدأ الشيخ حديثه في المحاضرة قائلاً إن النصر في ميزان القرآن ليس لحظةَ انتصارٍ عسكري ولا حادثةَ تفوّقٍ سياسي، بل هو حالةٌ من تمام الاستحقاق لسنن الله في التمكين. فلا يأتي النصر اعتباطاً ولا يُعطى جزافاً، وإنما يتحقق حين تستوفي الأمة شروطه، وتقوم بمقتضياته. وما يراه الناس هزيمةً قد يكون في ميزان الله نصراً، كما كان صلح الحديبية الذي عدَّه الصحابةُ تراجعاً، فأنزله الله منزلة الفتح.
وأوضح أن أول ما تحتاجه الأمة اليوم هو أن تعيد النظر في مفهوم النصر، وأن تفهمه كما وصفه القرآن لا كما تصوِّره العقول المتأثرة بالنتائج السطحية. فكثير مما نعدّه انتصاراتٍ هو في الحقيقة محطات في طريق الهزيمة، لأنها لم تُبنَ على وعيٍ بسنن الله ولا على استحقاقاتٍ واقعية. والوهم بالنصر أخطر من الهزيمة، لأنه يعطل الوعي ويغلق باب المراجعة.
وبيّن أن النصر لا يُفهم إلا في إطار الصراع، فالدين نفسه لا يُفهم إلا في سياق التدافع بين الحق والباطل. وأول خطابٍ وُجّه إلى آدم بعد نزوله إلى الأرض كان إعلاناً لهذه الحقيقة: ﴿اهبطوا منها بعضكم لبعضٍ عدوٌّ﴾، ومنذ ذلك اليوم صار الصراع سُنّةً في الوجود لا يمكن الانفكاك عنها. والقرآن ما فُصِّل إلا لتستبين سُبُل المجرمين، لأن معرفة طريق الباطل شرطٌ لمعرفة طريق الحق، فلا يهتدي إلى الصراط المستقيم من لم يُدرك معالم الانحراف والعداء.
وأضاف أن فقه الصراع ضرورةٌ لفهم الدين وتنزيله على الواقع، لأن الإنسان لا يعيش إيمانه في فراغٍ أو حياد، بل في مواجهةٍ دائمة مع قوى الشيطان والنفس والمجتمع. ومن ظن أنه يستطيع أن يعيش الإسلام معزولاً عن هذا التدافع فقد أخطأ فهم التكليف. وقد قال الله تعالى عن عدونا الأول: ﴿إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم﴾، ليبقى الصراع يقظةً دائمة في وعي المؤمن، لا يغفل عنه حتى آخر لحظة من عمره، كما كان الإمام أحمد يقول للشيطان وهو في سكرات الموت: “ليس بعد، ما متُّ بعد”.
ثم أشار إلى أن فقه الصراع يثمر آثاراً شرعية ونفسية وعملية. فمن الناحية الشرعية بيَّن القرآن تفاصيل هذا الصراع وأحكامه، وعرّف بالأعداء وطرائقهم، وحدد منهج المواجهة في السلم والحرب، حتى صار ذكر الجماعات والأنماط البشرية في القرآن دليلاً على أن كل جماعةٍ على الأرض لها مثالٌ في الوحي. ومن الناحية النفسية، فإن إدراك سنن الصراع يقي من الإحباط واليأس، ويُعِدّ النفس للبلاء كما أعدّ الله نبيه ﷺ حين أنزل عليه سورة الشعراء في مطلع الجهر بالدعوة، فذكّره بسبعة أنبياء كُذِّبوا جميعاً ليعلم أن طريق الدعوة محفوف بالإنكار لا بالتصفيق. ولو لم يُهيِّئه الوحي لتلك المواجهة لأصابه من الإحباط ما أصاب غيره، لكن وعيه بالسنن جعله يزداد ثباتاً كلما اشتد التكذيب.
وأوضح الشيخ أن فقه الصراع من الناحية الحركية هو الذي يرسم طريق التغيير الواقعي ويمنع القفز على السنن، فالتغيير لا يُصنع بالهتاف ولا بالجموع الغاضبة، بل بالوعي والبناء والتدرج. وقد كانت الثورات الحديثة مثالاً لتطبيقٍ غير سننيّ، لأنها خرجت من غير مرجعيةٍ شرعيةٍ ولا إعدادٍ فكري، فكانت نتيجتها الارتداد والاضطراب. فالسنن الإلهية لا تحابي أحداً، ولا يُستثنى منها مؤمنٌ ولا كافر، والديمقراطية أو كثرة العدد ليست دليلاً على الصواب، فقد قال الله تعالى: ﴿وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله﴾.
وبيّن أن الصراع حين يُفهم فهماً صحيحاً يرفع من كفاءة الإنسان وإدراكه، وينقله من دوائر الانشغال الصغير إلى دوائر الوعي الكبير، فمن يعيش لقضايا الأمة ويهتم بشؤونها يترقى في وعيه وإن كان صغيراً في سنه، لأن الاشتغال بقضايا الحق والباطل يطهّر النفس من تفاهة الاهتمامات، وهكذا يربّي القرآن المؤمنين على أن يعيشوا في أفق الرسالة لا في حدود الشهوات.
وختم الشيخ حديثه بأن النصر لا يتحقق بالتحالفات العابرة ولا بالتعلق بالقوى الكبرى، بل بالثبات على السنن والعمل بمقتضاها. كل أملٍ يُبنى على غير ذلك وهمٌ سرعان ما ينهار، والذين يعلّقون رجاءهم بروسيا أو أمريكا أو غيرهما إنما يهربون من مواجهة الحقيقة: أن النصر من عند الله وحده، وأنه لا يُؤتى إلا لمن فهم سننه وسار على نهجه. وخلاصة الأمر أن النصر في القرآن ليس حادثةً تاريخية، بل منهجٌ ربانيّ يبدأ بإدراك أن الهزيمة قد تكون مقدمةَ نصرٍ، وأن الاستضعاف هو طريق التمكين، وأن الابتلاء امتحانُ الصدق. فإذا استوعبت الأمة هذه المعاني، أعادت ترتيب وعيها وبنت مشروعها على السنن لا على الأماني، وعندها يتحقق وعد الله: ﴿حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كُذِبوا جاءهم نصرنا﴾.
مؤلفات و مواقع التواصل الخاصة بالدكتور محمد النوباني :
https://linktr.ee/Mohammad_ALNobani
#القرآن_الكريم #تدبر_آيات #التدبر_في_القرآن
#القرآن_الكريم #تدبر_آيات #التدبر_في_القرآن
#المنهاج #السيرة_النبوية #ترتيب_النزول #إمامة_الوحي
#على_منهاج_النبوة #د_محمد_النوباني #محمد_النوباني#الحضارة_الإسلامية
Доступные форматы для скачивания:
Скачать видео mp4
-
Информация по загрузке: